الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يسعى دائماً لخلق علاقات اجتماعية جديدة والتواصل مع الآخرين بشتى السُبل، ولأغراض متعددة، لكن في بعض الأحيان تُكسر هذه القاعدة نتيجة إصابته ببعض الأمراض، ومنها مرض العزلة الاجتماعية؛ فيبدأ في الانعزال تدريجياً عن محيطه الاجتماعي حتى يفقد الرغبة في التواجد بأي تجمع أو التواصل مع من حوله بأي وسيلة كانت، وقد يصل الأمر إلى عزلة غير اختيارية، حيث يُصبح مُجبراً على التواجد بمفرده رغم إرادته.
وقد قسّم عُلماء الاجتماع العزلة الاجتماعية إلى نوعين رئيسيين، هما:
- عزلة دائمة «مزمنة»: وهي حالة تُصيب الشخص منذ طفولته، وتستمر في التفاقم كلما تقدم به العمر، ويكون الشخص مُجبراً على البقاء وحيداً، فمهما بذل من جهد لا ينجح في التواصل مع المجتمع من حوله.
- عزلة اختيارية: تبدأ باختيار الشخص البقاء بمفرده بعض الوقت، بسبب تعرضه لصدمة ما أو موقف معين أثر فيه سلباً، ولكن مع الوقت تزداد مشاعر الإحباط والحزن والألم، وتزداد معها حالة العزلة، حتى يبتعد الشخص تماماً عن كل معارفه وعلاقاته الشخصية.
ويرى العُلماء أن انتشار العزلة الاجتماعية بين أوساط الشباب في العصر الحديث مصدره عدة عوامل من أهمها: انتشار التقنية بشكل مُبالغ فيه؛ فمواقع التواصل الاجتماعي، أدت فعلياً لانقطاع التواصل على أرض الواقع وبات أغلب الشباب يعيشون في عالمهم الافتراضي الذي خلقوه لأنفسهم. كما أن الإعاقات الجسدية غالباً ما يتعرض أصحابها للمضايقات والكلمات الجارحة، التي تؤثر بشكل كبير على حالتهم النفسية وتزيد من خجلهم وتُضعف ثقتهم بأنفسهم، لذلك ينسحبون من أي موقف يتطلب تواصل مع الآخرين ويُفضلون البقاء بمفردهم.
وقد بينت نتائج دراسة علمية حديثة بعنوان «نمط الحياة وعلاقته بزيادة الوزن والسمنة لدى المراهقين في مدينة الرياض» أن هناك علاقة ارتباط ذات دلالة إحصائية عند مستوى 0.011 بين من يمارس النشاط البدني بمفرده وزيادة الوزن والسمنة، وفسرت هذه النتيجة بأن من لديه زيادة وزن أو سمنة، قد يكون أضحوكة بين أقرانه، مما يشعره بالحرج والضيق لمجرد نظر الآخرين إليه، فضلاً عن تعليقهم على سمنته، مما يترتب على ذلك مزيد من العزلة الاجتماعية، وعدم الاشتراك في كثير من المناشط الاجتماعية.
أما العامل الثالث، فهو كثرة المشاحنات بالمنزل فإذا كانت أجواء المنزل مشحونة دائماً، وتكثر فيه الخلافات خاصة بين الأبوين؛ ينتج عن ذلك إصابة الأبناء بالعديد من الأمراض، ومنها العزلة الاجتماعية، فيفقدون رغبتهم في التواصل مع العالم الخارجي نتيجة لانعدام ثقتهم في كافة المحيطين بهم وعلى رأسهم الوالدين!
وهناك عدة طرق يمكن من خلالها مساعدة الشباب المنعزلين اجتماعياً، ومنها التشجيع على تبني سلوكيات معززة للصحة، مثل أخذ القسط الكافي من النوم والنظام الغذائي الصحي والتمارين الرياضية، والابتعاد عن السلوكيات الضارة بالصحة: كالتدخين أو فرط الأكل أو تعاطي المسكرات أو تعاطي مواد الإدمان، كذلك تفعيل دور الأندية الرياضية والساحات البلدية في المجتمع والأنشطة اللامنهجية في المدارس والجامعات. إلى اللقاء...
د. علي بن أحمد السالم
المدينة الطبية الجامعية
إضافة تعليق جديد