يُطرح بين الحين والآخر سؤال مفاده: «ما هو علم النفس؟ ولأي شيء يصلح اليوم؟»، وهذا السؤال قديم قدم التاريخ ولم يتم الاتفاق على إجابة واحدة حياله، فهناك من ينظر إليه على أنه تفكير نقدي يغوص في أعماق النفس ليحللها ويكتشف إيجابياتها وسلبياتها، وآخر يعتقد أنه علم يسعى لإيجاد الحقيقة النهائية، ويذهب الثالث إلى الاعتقاد بأنه أسلوب حياة يعلم الناس كيفية العيش الحسن.
هذه المواقف الثلاثة عالجها بتوسع كتاب الفرنسي جان فرنسوا دورتيي «علم النفس في عصرنا الحاضر» الذي ترجمه إلى العربية الجزائري إبراهيم صحراوي، وضم الكتاب دراسات ومقالات توزعت على الحقول الكبرى لعلم النفس ومقالات حول نظرات على الفلسفة المعاصرة، من الحداثة إلى ما بعد الحداثة، الفلسفة والسياسة، فلسفة الأخلاق، فلسفة العلوم، الروح والعقل، البحث عن المعنى، والكتاب يستعرض تيارات ومذاهب علم النفس في الغرب ومذاهبه وأعلامه.
ويتابع قارئ الكتاب تحليلات الفلاسفة لكيفية عمل العقل الإنساني، وبأية شروط يمكن الحصول على معرفة ناجعة، ويستمتع باهتمام علم النفس بالقضايا المتعلقة بالسعادة والحرية والمعنى الذي ينبغي إعطاؤه للحياة، لكن ما يثير القارئ أن يكتشف أن بعض المفكرين صبّوا جهودهم على موضوعات أكثر وضوحاً وقرباً من اهتمامات الناس الحياتية، كالسينما والأحوال الجوية وشراهة الأكل والغوص في أعماق البحار.
ويدخل في هذا السياق ما كتبه الأميركي ستانلي كافل عام 1981 بعنوان «في البحث عن السعادة، هوليوود وكوميديا إعادة الزواج» حلل فيه تحليلاً فلسفياً الزواج والطلاق وإعادة الزواج، وبيّن أن السينما تدخل في صميم علم النفس وتلعب دوراً في العلاج النفسي باعتبارها عالماً معروضاً ومرئياً، وأن الفيلم إخراج لتجربة إنسانية خيالية ولكنها حقيقية، يقوم فيها المشاهد بالتجريب الذهني المؤقت لفترات الحياة، فيجد نفسه في مواجهة عقد ومآسٍ إنسانية في موضوعات مثل الحب والحياة في البيت والعمل.
وأحد الاتجاهات التي يمارسها علماء النفس اليوم هي فن العيش خارج الأطر التقليدية باعتبار ذلك تفكيرًا نقديًا طموحًا لإيجاد الحقيقة النهائية، والحديث عن فن العيش يعيدنا إلى السؤال الأساس «ما أهمية علم النفس؟ وماذا يعالج؟».
إضافة تعليق جديد