شهدت المملكة العربية السعودية خلال العقد الماضي نهضة كبيرة في جوانب متعددة، ومن ذلك النهضة في الجانب العمراني، حيث زخرت الرياض بالكثير من المشاريع التنموية، ولعل زيادة القدرة الشرائية لدى المواطنين أثارت المطورين العقاريين لتطوير العديد من الأحياء السكنية الحديثة، لاستغلال تلك القدرة الشرائية للمواطن.
ولعلي أبادر القارئ الكريم بسؤال: ما مستوى رضاك عن الأحياء السكنية وكيف تقيم مستوى جودة المعيشة فيها؟
في الحقيقة لست متفائلاً بردودك عزيزي القارئ، لكن اسمح لي أن أفند ذلك التشاؤم – إن صحت التسمية - وفقًا لما يلي:
كثير من الأحياء المطورة للأسف، شهدت تطويراً مملاً هشاً هدفه الربح السريع، دون أدنى مراعاة للبيئة أو الإنسان كمستفيد ومستخدم، فالذي يدركه كثير من الناس على مختلف تنوعهم ودرجاتهم العلمية، أن الأرض لما سخرها الله هيأها للإنسان لتتناسب مع إمكانياته واحتياجاته.
وذلك يقودنا لسؤال «لماذا لم تصمم أحياؤنا لتناسب الإنسان وتراعي احتياجاته في المقام الأول؟».
الذي يظهر جلياً عند زيارتك لأحد تلك الأحياء ارتباطها المباشر مع حركة مركبتك، فعندما تتحرك داخل الحي لا تجد مشكلة في القيادة ولكن عندما تترجل من سيارتك لتمشي على قدميك تجد نفسك تشارك السيارة نفس الطريق أليس كذلك؟!
إن ما يثير حفيظتي كمستخدم ومستفيد أن الأحياء السكنية لم تراع وجودي واحتياجاتي كإنسان فلا يوجد مكان مخصص لحركتي، بل أشارك السيارة في نفس الطريق!! كيف أستطيع أن أمشي بأمان في ظل هذه الطرق لاسيما إن كانت مزدحمة؟ من صاحب الأولوية بهذا الطريق أنا أم السيارة؟!
إن الإجابة على السؤال قد تثير السخرية والضحك لديك أيها القارئ، هل لو حصل حادث في ذلك الطريق ياترى من المخطئ في رأيك أيها القارئ؟ أنا أم السيارة؟ ومن منا سيطالب الآخر بالتعويض نتيجة الأضرار الناتجة؟ هذا في حال إن كتب الله لي السلامة الشخصية!
أسئلة كثيرة تدور في مخيلتي حول علاقتنا مع بيئتنا العمرانية، ومن المؤسف أن نقر جميعاً بأن السيارة والوسيلة التي وجدت لخدمة الإنسان هي العامل الرئيسي الذي يسيطر على بيئتنا العمرانية، فأحياؤنا أضحت تصمم بناءً على عرض السيارة وأعدادها وكثافة حركتها، وفي المقابل تهميش الإنسان وكأن ليس له وجود في هذه المنظومة.
وهذا يقودني لسؤال أختم به هذه المقالة: يا ترى من السبب في تهميش الإنسان ودوره في أحيائنا وبيئتنا؟
من وجهة نظري كمتخصص في التخطيط والتطوير العقاري أستطيع القول إن الإنسان هو من همش نفسه كمسؤول، عندما لم يهتم بالإنسان كمحور ومرتكز يقوم عليه التخطيط من البداية، معتمداً على المطور العقاري والذي هدفه بالمقام الأول الربح والربح فقط، وكذا الإنسان كمصمم معماري ومخطط عمراني، والذي تجاهل كل ما تعلمه ودرسه من معايير التصميم والتخطيط للأحياء السكنية.
من هذا المقام وإيماناً بأن خطوة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، يجب علينا السعي لتطوير بيئتنا العمرانية عبر جميع الوسائل المتاحة لنشر هذه الثقافة لدى الجميع، فمنك أيها القارئ كونك مواطناً أو مقيماً تبدأ هذه الخطوة، إن ملكت الثقافة التي تبين لك حقك في الحصول على البيئة المناسبة لك ولمجتمعك، وصولاً إلى المسؤول عبر المبادرات البناءة والبحوث العلمية التي تدعو إلى أهمية تطوير البيئة العمرانية، وإعادة تحديث الأنظمة المتعلقة بذلك.
كلنا ثقة في هذا الوطن المعطاء ومسؤوليه وشعبه في حرصهم على تطوير بيئتنا العمرانية ووطنا بما يجعلنا في مصاف الدول المتقدمة، ولعلي أذكّرك أيها القارئ العزيز بأحد أهم أهداف رؤية المملكة 2030- حرسها الله- وهو بناء مجتمع حيوي بيئته عامرة.
م. عيسى العنزي
باحث في التخطيط العمراني والتطوير العقاري
إضافة تعليق جديد