يعد علم «تعلم الآلة» أحد المجالات الفرعية للذكاء الاصطناعي، والذكاء الاصطناعي يطلق على ما تقوم به البرمجيات الحاسوبية من محاكاة للقدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، بحيث إذا تم تركيب هذه البرمجيات على كيانات آلية فإنها تشكل ما يعرف بالإنسان الآلي أو الروبوت، الذي يمكنه القيام بالعديد من الوظائف بدلاً من الإنسان.
يستهدف علم «تعلم الآلة» تمكين الأجهزة الحاسوبية من التعلم بمفردها، ويستخدم خوارزميات تقوم بتحديد الأنماط في البيانات التي تم جمعها، وبناء النماذج التي تشرح العالم من منظور تلك البيانات، والتنبؤ بالأشياء دون وجود قواعد أو نماذج واضحة مبرمجة مسبقًا.
أي أنه يعتمد على بناء الخوارزميات التي تتعلم من البيانات المتاحة ومن ثم تتنبأ بالبيانات المستقبلية، فيتاح – للباحثين وعلماء البيانات والمهندسين والمحللين- إصدار القرارات والوصول لنتائج ذات موثوقية كبيرة وقابلية عالية للتكرار، كما يتيح الكشف عن الأفكار الخفية من خلال العلاقات التاريخية والتوجهات والنزعات المدفونة في البيانات.
وهو بذلك يتحرر مما تفرضه البرمجيات التقليدية من ضرورة الالتزام الصارم بالأوامر البرمجية للوصول إلى النتيجة أو القرار، حيث يتم التنبؤ - أو الوصول إلى النتائج والقرارات - بناء على تحليل ما تم جمعه من بيانات وليس بناء على التعليمات البرمجية.
ويرتبط علم «تعلم الآلة» ارتباطًا وثيقًا بعلم الإحصاء الذي يركز كذلك على التحليلات التنبؤية للبيانات، وربما يتداخل معه في بعض النواحي، كما يتداخل بصورة كبيرة مع علم التنقيب عن البيانات، والذي يهتم بالتحليلات الاستكشافية للبيانات فيما يطلق عليه التعلم الحر «unsupervised learning».
وقد أفرز هذا العلم خلال العقد الماضي، العديد من المنتجات المحوسبة مثل السيارات ذاتية القيادة، والتعرف الآلي على الكلام، والبحث الفعال عبر الإنترنت، وفهم أفضل للجينوم البشري. كما أصبحت معطياته شائعة في حياتنا بصورة كبيرة، سواء كمستهلكين أو عملاء أو حتى أشخاص عاديين، وربما نستخدمها عشرات المرات في اليوم دون أن ندرك أنها من إفرازات هذا العلم.
وقد أفاد أحد مكاتب المحاماة الكبرى – على سبيل المثال - أنه بات عازفًا عن تعيين المحامين الجدد بعد أن أصبح بمقدور الحاسوب مسح ملايين الوثائق والعثور على المعلومات المطلوبة في قضية ما بسرعة ودقة تفوق ما يمكن أن يقوم به الإنسان، وهذا من تطبيقات تعلم الآلة.
وما يقوم به «فيسبوك» من جمع البيانات التي لديه لكي يزود مستخدميه بالمحتوى الذي يفترض أنه يعجبهم أو الحصول على إحصاءات حول شخصية المستخدم وعاداته؛ هو أيضًا من تطبيقات تعلم الآلة، فهو يتتبع نشاط المستخدم وما ينظر إليه والوقت الذي يستغرقه في هذا النظر وما يعجبه وما ينقر عليه وما يكتبه، ثم يقوم باستخدام خوارزميات «تعلم الآلة» لاستخدام تلك البيانات في التنبؤ بتوجهات المستخدم الفكرية وبتفضيلاته في التغذية والتسوق وغير ذلك، كما يتفاعل معه سواء بالتهنئة أو التذكرة أو عرض صفحات بعينها.
جدير بالذكر أن تعلم الآلة – الذي خرج من رحم الذكاء الاصطناعي– ليس هو نهاية المطاف. فقد ظهر الآن مفهوم «التعلم العميق» كنوع أكثر تطورًا من «تعلم الآلة» يحقق قوة ومرونة كبيرتين. حيث يمثل العالم – الذي يتم بلورته من البيانات- على شكل سلسلة هرمية متعددة الطبقات من المعارف، بحيث أن كل طبقة تعمل على أساس من النتائج المعرفية الناتجة عن الطبقة التي تسبقها، فيتم بناء كل مفهوم على أساس علاقته مع المفاهيم الأبسط منه، وبناء كل فكرة أو خلاصة بناء على ما يسبقها من الأفكار والخلاصات الأكثر بساطة وهكذا.
إن «تعلم الآلة» يمثل ردًا على السؤال الذي يطرح نفسه دائمًا بين الباحثين وهو: هل الآلات قادرة على القيام بما يمكن للإنسان أن يقوم به من المهام الذهنية؟!
أ. د. جبريل بن حسن العريشي
أستاذ علم المعلومات
إضافة تعليق جديد