سبب وضع علم النحو وأهميته

يستثقل بعض الطلاب والطالبات دراسة علم النحو، ويتأففون من صعوبته، ويتساءل بعضهم باستغراب واستنكار عن فائدته وأهميته وسبب وضعه، لذلك يجب التنبيه إلى أن العرب في الجاهلية وفي بدايات عصر الإسلام كانوا يتحدثون اللغة العربية الفصحى على «السليقة» دون دراسة أو تعلم.
ورغم أنهم لم يكونوا على لغة «فصحى» واحدة إذ كان هناك عدة لغات أو «لهجات» منها لغة قريش ولغة بني تميم ولغة بني هذيل ولغة بني حمير في الجنوب، إلا أن الفروق بين كل تلك اللغات واللهجات لم تكن كبيرة أو جوهرية، وكانت لغة قريش «أهل الحجاز» هي السائدة لاعتبارات عديدة دينية وسياسية واقتصادية.
بعد نزول القرآن الكريم وانتشار الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ودخول الناس في دين الله أفواجاً واختلاط العرب بالعجم؛ بدأ اللحن يدخل إلى اللغة العربية وينتشر على لسان العامة والخاصة، حتى وصل إلى آيات القرآن الكريم، ومما رُوي في ذلك أن إماماً لأحد المساجد قرأ قوله تعالى من سورة التوبة: «وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ... الآية». قرأها «أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِه» بكسر اللام، وهو لحنٌ خطير يغير المعنى بشكل كبير.
كل ذلك استدعى المهتمين من القراء والعلماء والمشايخ لتدارك الأمر ووضع أطر وقواعد تحفظ اللغة العربية لغة القرآن الكريم.
إذن يعد انتشار اللحن السبب الرئيس لوضع علم النحو وتأطير اللغة بأطر وقواعد تحفظها، وغيرة العلماء وسعيهم لحفظ اللغة يعدان الدافع الرئيس لتلك الجهود المباركة، وذلك مصداقاً لقوله تعالى «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون».
حيث تعد هذه الآية أمراً غير مباشر لحفظ اللغة العربية على الصورة والهيئة التي أنزل عليها القرآن الكريم، ويعد القرآن الكريم مصدر معظم العلوم التي ظهرت في عصر صدر الإسلام وما بعده من العصور، وعلى رأسها علم النحو واللغة والصرف والأدب والبلاغة، وكذلك التفسير والتجويد والقراءات.
بالجملة، كان نزول القرآن الكريم باللغة العربية، وتعهد الله سبحانه وتعالى بحفظه؛ تشريفاً لتلك اللغة العظيمة، وبمثابة أمر إلهي بحفظها على مر العصور كما كانت حين أنزل، وستبقى كذلك بإذن الله وإرادته.