يطلق مصطلح «البيانات الكبيرة» على البيانات ذات الأحجام الضخمة التي توجد في صور عالية التعقيد بحيث تصعب معالجتها وتحليلها لتحقيق الاستفادة منها من خلال نظم قواعد البيانات أو البرمجيات والتطبيقات الإحصائية التقليدية، وهذا النوع من البيانات يحتاج إلى نوع من البرمجيات المتوازية التي تعمل على مئات وربما آلاف الخوادم.
وقد ساعدت القدرات الحاسوبية المتقدمة، على مدى عقدين من الزمن، على تطوير أساليب جديدة لتحليل «البيانات الكبيرة» تعتمد على ما يسمى بالشبكات العصبية neural networks التي تحاكي النظام البيولوجي العصبي في مخ الإنسان، وتمكن الإنسان – باستخدام هذه الأساليب - من استخلاص معارف مذهلة منها، وذلك من خلال الخوارزمات والقواعد التي يتم توليدها ثم تنصيبها واستخدامها في عمليات التحليل.
يتزايد حجم «البيانات الكبيرة» بصورة متسارعة، ليس فقط بسبب زيادة استخدام تطبيقات ويب 2 التي أتاحت بناء المحتوى المعلوماتي الرقمي بواسطة الملايين من البشر، والذي يضم كل أنواع المعلومات في صورة رقمية، تضم النصوص والمخطوطات والخرائط والكتب والقطع الموسيقية والتسجيلات الصوتية والأفلام والمطبوعات والصور، وإنما بسبب ازدياد انتشار مستشعرات «إنترنت الأشياء» مثل الأجهزة النقالة والهوائيات وأجهزة قراءة ترددات الراديو RFID وشبكات الاستشعار اللاسلكية الأخرى.
ويبلغ حجم البيانات الناتجة كل يوم – حسب تقدير إحدى المؤسسات البحثية - 2,5 إكسا بيت «أي 2,5 بليون جيجابايت»، كما سينمو حجم البيانات بطريقة تصاعدية على مستوى العالم في الفترة من 2013 إلى2020 من 4,4 زيتا بايت «أي 4400 إكسا بيت» إلى 44 زيتا بيت.
وتختلف النظرة إلى البيانات الكبيرة باختلاف المؤسسة التي تملكها، فهي تشكل تحدَّيًا للعديد من المؤسسات التي لا تدرك مدى أهميتها، حتى إنها تبحث عن حلول لحفظها أو التخلص منها، بينما تقوم العديد من المؤسسات الأخرى – التي تعرف كيف تستثمرها - باستخدامها لزيادة أرباحها، من خلال التحليلات التنبؤية التي تقوم بتحليلها وتقديمها في صورة أكثر ذكاءً، بحيث يمكن استخدامها على كافة المستويات.
البيانات الكبيرة تمكّن قادة المؤسسات من اتخاذ القرارات الملائمة في الوقت المناسب، من خلال كشف أنماط العملاء وتحديد الفرص والمخاطر بدرجة عالية من الدقة، وتمكن نظم دعم العملاء من استخلاص متطلبات التحسين والتعديل، وتساعد -في مجال التسويق والمبيعات- على فهم متطلبات العملاء وتلبيتها بشكل أفضل، وتقديم العروض البيعية الصحيحة في الوقت المناسب وبالسعر المناسب ومن خلال القناة البيعية الأكثر ملاءمة.
كما تساعد –في مجال الإنتاج - على معرفة معدلات الأداء من خلال تحليل بيانات الكميات الناتجة، وفترة الإنتاج، والوقت المفقود في شراء المواد الأولية أو في النقل إلى المستودعات، وفي مجال الائتمان تساعد على تحديد الوضع المالي للشركات، وتوفير رؤية واضحة عن وضعها المالي، ومن ثم اتخاذ القرار بمنح – أو عدم منح - الائتمان.
وفي مجال الجريمة تساعد على معرفة أماكن الجرائم المحتملة من خلال تحليل إفادات أجهزة الاستخبارات، وسجلات المجرمين، وبيانات الكاميرات التلفزيونية المغلقة، والمواقع الاجتماعية الشهيرة على الإنترنت، وتقارير الجرائم.
وهكذا نجد أنها تتداخل في كل مجالات الحياة، لذا فهي تحتاج إلى نوع مختلف من القيادات الإدارية التي تعتمد على نتائج التحليلات التنبؤية في اتخاذ القرار، والتي تثمن نظم تحليل البيانات الكبيرة والموارد البشرية القادرة على استخدامها واستقبال نتائجها واستخلاص المعارف منها ثم إتاحتها - بصورة فورية - لمستويات الإدارة العليا، فالسرعة في إتاحة المعلومات والاستجابة الفورية لمعطياتها، أصبحت سمة عصر العولمة، وأساس التنافسية بين الدول والشركات.
أ. د جبريل بن حسن العريشي
أستاذ علم المعلومات
إضافة تعليق جديد