Skip to main content

الجامعة تدشن الخطة الإستراتيجية لإدارة المجلات العلمية

كتب: محمد الحريري

في قاعةٍ امتلأت بالباحثين ورؤساء التحرير وأعضاء هيئة التدريس وأصحاب السعادة من عمداء وغيرها، وعلى شرف سعادة نائب رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور يزيد بن عبدالملك آل الشيخ، شهدت جامعة الملك سعود حدثًا استثنائيًا: تدشين الخطة الإستراتيجية لإدارة المجلات العلمية. لم يكن مجرد حفل بروتوكولي، بل كان لحظة فارقة، استحضرت الماضي بكل تحدياته، واحتفت بإنجازات الحاضر، ورسمت بجرأة ملامح المستقبل.

 

قصة بدأت بمجلة مطبوعة

استعادت المشرفة على إدارة المجلات العلمية بجامعة الملك سعود أ.د. رها بنت سعود أورفلي بدايات الحكاية، عندما صدرت مجلة الآداب عام 1390هـ/1970م. كانت آنذاك مجلة مطبوعة متواضعة، لكنها أشعلت الشرارة لمسيرةٍ علمية كبرى جعلت الجامعة في طليعة الريادة العربية في النشر العلمي. ومن تلك اللحظة، تتابعت الإنجازات وتراكمت التجارب، حتى أصبحت الجامعة اليوم تمتلك منظومة متكاملة من المجلات، التي نجحت في أن تكون ضمن النخبة العالمية للمجلات المتميزة في النشر العلمي.

تحديات صنعت خبرة

وأبانت أ.د. رها أورفلي أن البدايات لم تكن مفروشة بالورود، فقد واجه النشر العلمي منذ نشأته تحدياتٍ كبيرة، أبرزها غياب القواعد الواضحة للنشر والتحكيم، مما ترك فراغًا لكنه صنع خبرة تراكمية مع مرور الوقت. كما أوضحت أن غياب الحوكمة أدى إلى تفاوت في الأداء، غير أنه كان منطلقًا لتبني أنظمة حديثة أحدثت إصلاحاتٍ جذرية. ونوهت بأن النزاهة العلمية كانت وستبقى مبدأً ثابتًا، فهي الضمان الحقيقي لجودة البحوث ومصداقية النشر.

إنجازات الحاضر

وأكدت أورفلي أن الجامعة تقف اليوم شامخة بفضل منظومةٍ تضم 51 مجلة علمية، منها ما يصدر عن الكليات ومنها ما تصدره الجمعيات العلمية. هذه المجلات لم تكتفِ بالانتشار المحلي، بل وجدت طريقها إلى قواعد بياناتٍ عالميةٍ كبرى مثل Scopus وWeb of Science (WOS). كما صُنَّف المجلات بحسب التخصص بين العلوم الأساسية والتطبيقية، والعلوم الصحية، والعلوم الإنسانية والاجتماعية.

إستراتيجية للمستقبل

وأضافت أ.د. رها أورفلي موضحة أن تدشين الخطة الإستراتيجية الجديدة للأعوام 2025–2030 لا يمثل مجرد وثيقة، بل رؤية شاملة تستند إلى قيم أساسية هي: الجودة والتميز، الشفافية والنزاهة، الابتكار والتطوير المستمر، التعاون والتكامل، والاستدامة والمسؤولية. وأشارت إلى أن هذه الخطة ترتكز على محاور رئيسية تشمل تطوير الكوادر البشرية، تبني التحول الرقمي، تحسين جودة المجلات العلمية، الاستدامة والابتكار، التوعية والترويج، التعاون والشراكة المحلية والدولية، إضافة إلى التمويل والتنمية المستدامة.

آل الشيخ: إنجاز عالمي، ذكاء اصطناعي، وعمل مستدام

أوضح الأستاذ الدكتور يزيد بن عبدالملك آل الشيخ نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي أن وصول عدد من مجلات الجامعة إلى قاعدة البيانات العالمية Web of Science (WOS) هو إنجاز عالمي وتتويج لمسيرة طويلة من العمل الجاد، مؤكدًا أن الجامعة تسير بخطى واثقة نحو الريادة العالمية في النشر العلمي.

كما بين أن الذكاء الاصطناعي سيكون أداة مهمة في تطوير منظومة النشر العلمي، لكنه شدد على ضرورة التعامل معه بحذر لضمان الاستخدام المسؤول والآمن لهذه التقنيات. مشددًا أن الجامعة تضع النزاهة العلمية في صميم أولوياتها، باعتبارها الأساس الذي يمنح النشر ثقة الباحثين محليًا وعالميًا.

كما نوه آل الشيخ على أن العمل المستدام يمثل ركيزة أساسية في تطوير المجلات العلمية، مبينًا أن الجامعة تسعى لبناء منظومة نشرٍ قادرة على التجدد والتطوير المستمر، بما يعزز الجودة والابتكار ويرسخ حضور الجامعة عالميًا.

لحظات إنسانية وتفاعل حي

ولم يخلُ الحفل من الجانب التفاعلي، حيث شهد جلسة ودية أُتيح فيها للحضور المشاركة من خلال السحب على أسئلة الجمهور والإجابة عليها مباشرة، وهو ما أضفى طابعًا حيويًا وأتاح فرصة لحوارٍ مفتوح. كما تخللت الجلسة مسابقة ثقافية أثارت الحماس بين الحضور، وأكدت أن النشر العلمي جهد جماعي يقوم على المشاركة والتكامل.

آفاق جديدة

وفي ختام الحفل، أعلنت أ.د. رها أورفلي أن إدارة المجلات العلمية ستنظم ملتقى إدارة المجلات العلمية الخامس، الذي سيقام في ديسمبر المقبل تحت شعار: “الابتكار والتأثير في النشر العلمي (آفاق جديدة)”. وأكدت أن هذا الملتقى سيكون منصة لتبادل الخبرات واستشراف مستقبل النشر العلمي في الجامعة وخارجها.

 

الريادة في الأفق

من شرارة مجلة الآداب قبل أكثر من خمسين عامًا، مرورًا بمحطات التحدي والإنجاز، ووصولًا إلى تصنيف المجلات في قواعد بياناتٍ عالمية، تؤكد إدارة المجلات العلمية بجامعة الملك سعود أن مسيرتها مستمرة، وأنها ماضية نحو ريادة عالمية في النشر الأكاديمي، بخطةٍ إستراتيجية واضحة، وقيمٍ راسخة، وعملٍ مستدام يضعها في طليعة الجامعات المرموقة.