المال وسيلة أم غاية؟
وأنا أتصفح تويتر شدّتني مقالة قصيرة للكاتب عبد الله النعيمي عنوانها «هل هو الفقر أم غياب القناعة؟!»
إذ يذكر الكاتب فيها أن معظم مشاهير برامج التواصل الاجتماعي اليوم يعملون تحت سقف الابتذال والتهريج فضلاً عن البعد عن الدين المهذّب الأول للأخلاق، ويرجع الكاتب السبب وراء هذا الانفلات إلى عدم القناعة وليس إلى السعي للمال كما يُعتقد، واستدلّ على ذلك بأن بيننا أشخاصًا محتفظين بوقارهم واحترامهم رغم محدودية دخلهم المادي.
وأنا أختلف وأتفق مع الكاتب في آن، أتفق في أن عدم القناعة هو أحد الأسباب فكما قيل: «الرضا بالكفاف يؤدي إلى العفاف»، ولكن من المعلوم عند أهل العلم أن الظاهرة أو المشكلة الاجتماعية لا يحكمها سبب واحد وإنما أسباب تتعدد ويجر بعضها بعضًا، وهذا بلا شك يحتاج إلى دراسة وتقصٍّ لمعرفة الأسباب بشكل دقيق بحسب ما يقتضيه المنهج العلمي.
وأختلف مع الكاتب في مسألة أن المال ليس السبب، فأكاد أجزم أن المال وراء أغلب المشكلات الاجتماعية في وقتنا الحالي كما هو مُلاحظ، وأن الانحلال الأخلاقي لدى بعضٍ من مشاهير التواصل الاجتماعي الذي ذكره الكاتب هو إحدى هذه المشكلات التي نعاصرها اليوم.
فبمعادلة بسيطة ومختصرة الهرج والمرج الذي يتبعه بعضٍ من المشاهير في برامج التواصل الاجتماعي سيخلق لديهم مشاهدات، والمشاهدات تجذب المُعلنين والإعلانات، فتجلب المال )الهدف(.
وفي الحقيقة كلنا نسعى للمال، وهذا حق وعبادة يُؤجر عليها المسلم متى ما كان الهدف ساميًا وقيّمًا، وكانت الآلية مشروعة يتحرى فيها المسلم الصادق النزاهة.
والنهج المحمدي قد أولى المال اهتمامًا وقيمة كبيرة، فقد هذّب حبَّ المال في النفس المؤمنة، والوازع الديني بلا شك يشكل فارقًا في تقصّي الحلال والحرام والواجب والمستحب في اكتساب المال وإنفاقه، وقد وصف سبحانه في كتابه الإنسان المبتلى شديد الحب للمال في قوله: )وتحبون المال حبًا جمّا(، فاللهث وراء المال والبحث عنه بشتّى الطرق -ولو بالطرق غير المشروعة- يسحق عفوية الإنسان، فيصبح إنسانًا فارغًا بلا هدف؛ لأنه اتخذ المال غاية لا وسيلة.
وهذا لا يتعارض مع السعي الحثيث في البحث عن المال والاستمتاع به، ولكن كما ذكرت سلفًا لا بد من تحري مصادر المال وأبواب الإنفاق فضلاً عن تطهير هذا المال بالزكاة إذا وجبت والصدقة التي حثّ عليها الدين الإسلامي.
ختامًا، المال نعمة ومتعة! ولكن أيها المسلم الفطن تذكر أنك محَاسب على هذا المال: من أين اكتسبته؟ وفيمَ أنفقته؟ كما ورد في الحديث عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه- قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: )لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن... وذكر منها: عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه( رواه الترمذي.
ألا يستحق ذلك اليوم أن ننجح في الإجابة و نفوز بجنة عرضها السماوات والأرض بإذن الله ؟!
أروى بنت عثمان العثمان
باحثة في علم الاجتماع