فوائد لغوية

بداية تدوين اللغة

اشتهر العرب بالبلاغة والفصاحة والإلقاء، مشافهةً لا كتابةً، ولم يُعرف التدوين وينتشر بينهم إلا في وقت متأخر، حتى القرآن الكريم أُنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مشافهةً، ونقله وعلَّمه لأصحابه مشافهةً وتلقيناً حتى حفظته صدورهم، ولم يبدأ جمعه وتدوينه إلا في عهد أبي بكر الصديق رضي الله، واكتمل في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه.
تم توزيع المصاحف على الأمصار والأقاليم، لكن بشكل قليل ومحدود، وبدأ ظهور اللحن في اللغة نتيجة انتشار الإسلام شرقاً وغرباً ودخول الناس في دين الله أفواجاً، مما دفع العلماء والقراء لتنقيط المصحف الشريف والبدء بوضع علم يحفظ هذه اللغة، وقد تمت الإشارة لهذه النقطة في العدد السابق.
في تلك الفترة الممتدة بين منتصف القرن الأول الهجري ومنتصف القرن الثاني الهجري، بدأ التحول تدريجيا وبشكل متسارع إلى التدوين والكتابة، بدءاً بتدوين القرآن الكريم أولا، مروراً بتدوين الحديث الشريف، وصولاً لتدوين ما استجد من علوم حديثة مرتبطة بهما وأشهرها علوم اللغة، من نحو صرف ومعاجم وبلاغة وأدب.
وقد رافق بدء التدوين ظهور المذاهب الفقهية والمدارس النحوية، وأشهر مدارس النحو العربي «البصرية» و«الكوفية» حيث كانت البصرة والكوفة منارتان من منارات العلم والحضارة في العالم الإسلامي، وتزران بالعلم والفضل وحلقات الدرس في المساجد والمجالس، ويذكر للبصرة أسبقيتها على الكوفة في المبادرة لجمع لغة العرب وتبويبها ووضع القواعد الناظمة لها.
كما يذكر للمدرسة البصرية أن القواعد والضوابط والحدود التي وضعتها لجمع لغة العرب «شعراً ونثراً» والاستشهاد بها واستنباط القواعد منها؛ كانت أكثر قوة وإحكاماً من القواعد والضوابط التي وضعتها المدرسة الكوفية، لذلك تم اعتماد القواعد والنتائج التي توصلت إليها على مر التاريخ إلى يومنا هذا.
أبرز وأشهر النحاة البصريين: عيسى بن عمر الثقفي، أبو عمرو بن العلاء، يونس بن حبيب، الخليل بن أحمد الفراهيدي، سيبويه، الأخفش، قطرب، أبو عمر الجرمي، المازني، المبرد، الزجاج، ابن السراج، وأبو سعيد السيرافي.
ومن أبرز وأشهر نحاة الكوفة: الكسائي، هشام بن معاوية الضرير، الفراء، ثعلب، والأنباري.
أما الخلافات النحوية بين البصريين والكوفيين فكثيرة، وكان أكثر ما يميز المدرسة الكوفية اتِّساعها في رواية الشعر وعبارات اللغة العربية عن جميع العرب بدوهم وحضرهم، أما في المدرسة البصرية فكانوا يتشدَّدون في فصاحة وبلاغة العرب الذين يأخذون عنهم اللغة والشعر وغيرها، وكان هذا بداية الخلاف الكبير بين المدرستين والذي امتدَّ حتى شمل فيما بعد القياس وضبط القواعد الفقهية، ولكن مع الزمن فضَّل الناس المدرسة البصرية على الكوفية لسهولتها ومنطقيَّتها أكثر من المدرسة الكوفية.
يتبع ،،،

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA