صناعة التكنولوجيا بحاجة لعلماء الاجتماع

 

 

يدرك علماء وقادة التكنولوجيا بشكل متزايد شيئاً عرفه علماء الاجتماع منذ فترة طويلة، وهو أن المجتمع والتكنولوجيا يتكونان بشكل متبادل، بمعنى آخر، يؤثر المجتمع على التكنولوجيا، وتؤثر التكنولوجيا على المجتمع، ونظراً لأن التكنولوجيا تتغلغل بشكل أعمق في حياتنا اليومية، فأعتقد أن علماء الاجتماع بحاجة إلى المساهمة في التطوير التكنولوجي والابتكار لتعزيز مساهمة التقنية في خلق حياة أفضل للجميع.

لا يقتصر الأمر على وجود ضرورة اجتماعية أكبر لعلماء الاجتماع للانضمام في صناعة التكنولوجيا فحسب، بل هناك اعترافات متزايدة بالمنظورات المهمة التي يجب على علماء الاجتماع تقديمها، وهذا لا يعني أن الأبواب تتأرجح مفتوحةً أمام علماء الاجتماع في كبريات شركات التقنية، ولكن بالتأكيد الفرص موجودة وتتوسع باضطراد، وكل ما عليك هو أن تعرف كيف تبحث عنها.

وتحقيقاً لهذه الغاية، في هذه المقالة، استعارة من تجربتي في شركة مايكروسوفت، أحدد من خلالها بعض الأدوار الأقل إعلاناً في كبريات شركات التقنية، التي تناسب وتوضح سبب أهمية وجود علماء الاجتماع في المجال التقني، ولكن لا يمكن اختزال وحصر أدوار علماء الاجتماع في المجال التقني فقط في الأبحاث ذات الصلة بتجارب المستخدمين.

لذا، هناك أربع أدوار بارزة لمتخصصي وعلماء الاجتماع في المجالات التقنية كالآتي:

أولاً: دورهم في مجالات السياسة العامة

تملك كل شركة تقنية كبرى مجموعة من السياسات العامة، أو ما يسمى بمجموعة الشؤون الحكومية أو الشؤون التنظيمية، علماء الاجتماع يمكنهم تحليل المواقف المعقدة والمتعددة مع مراعاة مصالح الجميع ومواقفهم، ويمكنهم التنبؤ وتفسير بعض القيم وشرحها من خلال تحليل التأثير الذي ستحدثه سياسة معينة على مختلف الفئات الاجتماعية التي قد لا تراها عادةً فرق السياسة العامة التي تركز على التفكير الضيق للشركة أو الصناعة.

على سبيل المثال، تعد الخصوصية والذكاء الاصطناعي الأخلاقي من الموضوعات الساخنة في صناعة التكنولوجيا هذه الأيام، ويمكنك المراهنة على أن لدى معظم الشركات نوعاً من مجموعة السياسات في كل مجال من هذه المجالات، وذلك لمراقبة أي إجراء تنظيمي والتأثير فيه والاستجابة له، ألقِ نظرة على العمل الذي يتم إنجازه في مجموعة الخصوصية والشؤون التنظيمية ومكتب الذكاء الاصطناعي لدى مايكروسوفت.

ثانياً: دورهم في مجال المسؤولية الاجتماعية

لدى معظم شركات التقنية نوع من المسؤولية الاجتماعية أو الأذرع الخيرية التي تركز على فعل الخير في المجتمعات المحلية والعالمية، هنا يبرز دور وأهمية علماء الاجتماع الذين يدرسون التنمية الدولية، والمنظمات غير الربحية، والموضوعات التي تتراوح من البيئة والاستدامة إلى العدالة الجنائية والإعاقة، وذلك لتقديم خبراتهم القيمة في تلك المجالات.

على سبيل المثال، لدى شركة مايكروسوفت مسؤول بيئي رئيسي، ويعمل لدى شركة قوقل فريق استدامة يعالج القضايا المتعلقة بالتأثير على البيئة، ويضع خططاَ للتقليل من هذا التأثير، وكيف يمكن الاستفادة من التكنولوجيا لأشياء مثل تحسين التنوع البيولوجي والطاقة المتجددة. أيضاً قد يكون علماء الاجتماع الذين يدرسون التقسيم الطبقي الاجتماعي أو التعليم مهتمين في الأدوار التي تكمن في كيفية قيام شركات التكنولوجيا بتخفيف الفجوة الرقمية في التعليم.  

ثالثاً: دورهم في مجال تنمية الموارد البشرية

يكمن الدور هنا في مساعدة الشركات في تطبيق القواعد والأنظمة التي تحددها لنفسها، والامتثال لمجموعة متنوعة من القوانين واللوائح التي تتراوح من التجارة ومكافحة غسيل الأموال والأمن والخصوصية وإمكانية الوصول والسلامة عبر الانترنت والمزيد، وعلى الرغم من أن هذه الأدوار لا تستند فقط على البحث أو السياسات العامة، إلا أنها تعتبر نقطة دخول رائعة في ميادين الصناعة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمتخصصي علم الاجتماع مساعدة أقسام الموارد البشرية في التركيز على التنوع والشمولية، لأن معظم شركات التكنولوجيا تعاني من القصور في هذا المجال، ومن ذلك مساعدة الشركة على فهم أسباب تسرب القوى العاملة من النساء وعزوفهن عن العمل، أو سبب تهرب الطلاب الملونين من العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أمر مهم للغاية لتحسين سياسات التوظيف والتمكين، ورغم أننا غالباً ما نتنافس مع المحامين في هذه المجالات، إلا أن العديد من هذه الأدوار لا تتطلب درجة قانونية، لذا لا تتردد كمتخصص في علم الاجتماع عن البحث في الأقسام القانونية عن فرص وظيفية، على سبيل المثال، التقدم كمدير برامج أو مشروعات أو محلل بيانات.

رابعاً: دورهم في مجال الأبحاث

بخلاف أبحاث تجربة المستخدمين التي تميل إلى الجلوس ضمن فريق المنتجين، تمتلك معظم شركات التكنولوجيا الكبيرة مجموعات بحثية منفصلة حيث تعمل على إجراء الأبحاث الهندسية والتطوير، وتتعدد مناصب الباحثين الاجتماعيين في شركات وسائل وشبكات التواصل الاجتماعي.

على سبيل المثال في Instagram قد يدرس الباحث لماذا يُنشئ مستخدمو ذلك التطبيق هويات اجتماعية متعددة على نظامهم الأساسي! وفي YouTube قد يقوم الباحث المتخصص في علم الاجتماع بإجراء دراسات إثنوقرافية عبر الإنترنت أو مقابلات متعمقة مع المؤثرين. أما في Facebook فقد يبحث المتخصصون في أنواع تفاعلات الوسائط الاجتماعية التي لها الحصة الأكبر في التأثير على الرفاهية الاجتماعية.

أخيراً، يتطلب ظهور تقنيات جديدة، مثلاً، تقنية الذكاء الاصطناعي، الكثير من وجهات النظر الاجتماعية حول كيفية تأثير هذه التقنية على مختلف المؤسسات والفئات الاجتماعية. على سبيل المثال، علماء الاجتماع هم الأجدر لاكتشاف كيفية جعل الذكاء الاصطناعي أكثر أخلاقيةً وتركيزاً على الإنسان وكيفية استخدامه لتحقيق المنفعة والمصالح المجتمعية. على الرغم من أن معظم الأدوار في البحث موجهة نحو علوم الحاسوب، إلا أن البعض يرحبون بمتخصصي علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية الأخرى. بالإضافة إلى المعرفة الجوهرية في العديد من المجالات التي ذكرتها أعلاه، يميل علماء الاجتماع أيضاً إلى امتلاك المهارات ذات القيمة العالية في صناعة التكنولوجيا. كمتخصص علم اجتماع، كل ما عليك هو فقط معرفة كيفية ترجمة مجموعة المهارات الخاصة بك إلى لغة يسهل فهمها واستخدامها في مجالات التقنية.

 

ترجمة: عوض العتيبي

محاضر بكلية الآداب

محاضر ومرشح دكتوراه في علم الاجتماع بجامعة ليدز البريطانية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA