Skip to main content

" لماذا ماتت زهرة الخلود؟ "

تُسمّى «زهرة الخلود» لأنها تبقى نضِرة زمنًا أطول إذا توفّر لها نورٌ عادل وتربةٌ صالحة وماءٌ بقدر لا تموت فجأة؛ تموت ببطء حين تُقتلع من جذورها أو تُحجَب عن الضوء. هذه ليست قصة نبات فقط؛ إنها حكاية موظفٍ كان يمكن أن يزهر لولا مدير سيئ جعل المكان صحراء فيموت الموظف حين يُعامَل كرقم لا كإنسان، وحين يتحوّل مديره إلى سقفٍ منخفض يمنع الضوء فيستهين بالإنجاز، ويقتات على الأخطاء، ويُسجّل النجاحات باسمه. عندها تفقد الزهرة غذاءها المعنوي بالمعنى والعدالة والتمكين والانتماء. ومع كل اجتماعٍ يشبه تحقيقًا، ومع كل ملاحظةٍ تُقال للتجريح لا للتطوير، يتعلّم الفريق درسًا قاسيًا لا تُبادر فالمبادر أول مَن تُقصّ بتلاته. المدير السيئ لا يفسد المهام فقط؛ يفسد المناخ كله. يزرع الخوف في الهواء، والشك في الأرض، ويُسمّم الماء بالشائعات والمقارنات العرجاء. يظن أن السيطرة تُنتج الانضباط فتأتيه طاعةٌ بلا إبداع، ويظن أن الترهيب يُسرّع النتائج فتتكاثر الأخطاء وتغيب المسؤولية. وهكذا يتبدّل هدف الموظف من «الإنجاز» إلى «النجاة»، فيحضر بجسده وتغيب روحه فأخطر ما يُقتَل هنا أمور لا تُقاس في الجداول وهي الفضول، الحماس، والكرامة المهنية فالأرقام قد تُجمّل صورة المدير مؤقتًا، لكنها لا تشتري ولاءً ولا تُنشئ هوية. المؤسسات تُدار كبساتين فيقصّ البستاني ليُهذّب لا ليؤذي، يسقي بقدر، ويترك مسافةً للنور والهواء ويكتب اسم الزهرة على اللوحة، لا اسمه هو، إذًا ما العمل؟ البداية بالاعتراف فالمشكلة ليست في «الجيل» ولا «السوق»، بل في أسلوب يقضم الناس بدل أن يستثمر فيهم والعلاج واضح هدفٌ مُعلن يشترك فيه الجميع، عدالةٌ مُمارسة لا مُعلنة فقط، تفويضٌ يسبق المساءلة، تغذيةٌ راجعة تُعلّم ولا تفضح، واحتفاءٌ صادق بالمحاولة لا بالنتيجة وحدها. هذه ليست رفاهية؛ إنها بنية تحتية للنجاة في سوقٍ قاسٍ فلماذا ماتت «زهرة الخلود»؟ لأن أحدهم ظنّ أن قوته في نزعها من تربتها، لا في رعايتها. ولِمَ يمكن أن تعود؟ لأننا كلما امتلكنا شجاعة الإصلاح، رددنا للزهرة جذورها، وللعمل معناه، وللموظف اسمه قبل رقمه.

عبد الملك محمد القباع – عضو الجمعية السعودية للعلوم السياسية