لقد كان لاكتشاف الكهرباء أثر عميق في تغيير مناحي الحياة الإنسانية وتغيير أنماطها ومستوياتها، ومنذ ظهور ذلك الاكتشاف العظيم سار ركب التقدم والمدنية قدمًا مع تطور الاكتشافات والاختراعات التي استجدت تباعًا في مجالات الكهرباء واستخداماتها المتعددة. فإذا اعتبرنا أن الماء والهواء هما العنصران الأساسيان لاستمرار الحياة، فإن الكهرباء – بلا شك - هي العامل الأساس لاستمرار التقدم والرخاء. فالكهرباء نعمة من نعمٍ كثيرة أفاء الله بها علينا حتى أضحت حياتنا بدونها أمرًا لا يمكن تحمله أو حتى مجرد تصوره، فلنتخيل مثلًا انقطاع الكهرباء وحرماننا منها ولو لفترةٍ قصيرة فما مدى المعاناة النفسية المتمثلة في الضيق والسأم والضجر والتبرم وعدم الراحة الذي سنعاني منه، ناهيك عن حجم الخسائر المادية التي ستحل علينا نتيجةً لذلك. وإن كانت الكهرباء حيوية ومهمة تجعلنا في أمس الحاجة لها في مناحٍ شتى في حياتنا لكننا للأسف قد لا نعرف الكثير من أسرارها وخفاياها وكيفية استخدامها والتعامل معها ونعرف قواعدها وأصولها وتدابير الأمن والسلامة الواجب توخيها للوقاية من أثارها الوخيمة وخسائرها الفادحة جراء الاستخدام غير السليم للطاقة الكهربائية والتي تعد في حد ذاتها سليمة وآمنة للعاقل والمتدبر وخطرة ومهلكة للجاهل والمستهتر. والغرض من هذا المقال هو التركيز على توضيح بعض السمات المعرفية والمعالم الثقافية والجوانب التوعوية عن الكهرباء والكشف عن بعض أسرارها الخفية عن ذهنية القارئ بعيدًا عن تداخلاتها المتشابكة وتقنياتها المعقدة، فنبدأ القول بأن ثمَّة تماثل وتجانس بين تيار الماء وتيار الكهرباء، فتيار الماء يجري في مواسير ويتدفق من الصنبور حين فتحه ويتحكم في ذلك التدفق مدى ارتفاع الخزان فوق سطح المنزل، فكلما كان الخزان مرتفعًا كان تيار الماء أقوى سريانًا وأكثر تدفقًا، والتيار الكهربائي كذلك على نفس المنوال يسير في أسلاكٍ وكابلات بسبب دفع الجهد (الفولت) الذي يشبه خزان الماء. أما كيفية توليد الطاقة الكهربائية فهناك نوعان من المصادر فإما من البطاريات على اختلاف أنواعها وإما من المولدات في محطات التوليد. والذي يعنينا هنا في هذا المقال هو المصدر الأخير الذي يعد الأوسع انتشارًا والأكثر استخدامًا في منازلنا وفي حياتنا اليومية. فالكهرباء التي نستخدمها دخلت كل أنماط حياتنا وازدادت الحاجة لها والاستفادة منها والاعتماد عليها في المنازل والمدارس والمكاتب والمتاجر وفي المشاريع الصناعية والتجارية والزراعية والترفيهية، كما تستخدم كذلك في وسائل النقل والاتصالات والطب والتبريد والتدفئة والطهي وفي شتى مجالات الحياة، ذلك لأن الطاقة الكهربائية تتحول بسهولةٍ ومرونة إلى أشكالٍ أخرى من الطاقة وبمردودٍ ذي كفاءة عالية كالطاقة الحرارية والحركية والصوتية والضوئية، الخ. والكهرباء تسير في الأسلاك بحركةٍ خفية لا تظهر لرؤية العين المجردة، فنحن لا نراها أو نحس بها كما هو الحال مع سريان الماء وجريانه وتدفقه عبر الأنابيب والمواسير، فالكهرباء تسري في الموصلات السلكية على شكل موجاتٍ وتذبذباتٍ تناوبية يشكلها دوران المولِّد الكهربائي فكل موجة تتغير على شكل ذبذبات في جزءٍ من ستين جزءٍ من الثانية وهي فترة جد قصيرة إذا قيست بفترة الثانية الزمنية المتناهية في الضآلة والصغر، وقد تقصر هذه الفترات الزمنية لهذه الذبذبات لتصل إلى آلاف جزءٍ من الثانية في الأجهزة الإلكترونية واللاسلكية بل إلى الملايين في أجهزة الأفران الدقيقة (الميكروويف)، وقد تصل لمليارات الذبذبات في الأشعة السينية المعروفة بـ ألفا وبيتا وجاما وهي أشعة عالية الطاقة سريعة النفاذ. إذن، أحطنا ببعضٍ من خصائص تلك الموجات والآن لنتعرف على كيفية رد فعل الأجهزة الكهربائية عند انقطاع الكهرباء، والأفضل بل الأهم أن نعرف ماهية وطبيعة ونوع تلك الأجهزة الكهربائية التي نستخدمها في منازلنا بشكلٍ يومي. تنقسم تلك الأجهزة إلى ثلاثة أقسامٍ رئيسة من حيث سحب التيار الكهربائي وحجم استهلاكها للطاقة الكهربائية، فأول تلك الأجهزة ذوات الاستهلاك المتدني مثل المذياع والمروحة ومصابيح الإنارة الموفرة للطاقة والساعات الكهربائية والشواحن على اختلاف أنوعها، ثم تأتي بعد ذلك الأجهزة ذوات السحب المتوسط مثل أجهزة الحاسب الآلي والتلفزيون والثلاجات والغسالات والمكانس والمكيف الصحراوي، وأخيرًا تأتي الأجهزة ذوات الاستهلاك العالي مثل السخانات والغلايات والدفايات والكاويات والنشافات والأفران والمكيفات بأنواعها الثلاثة: الشباك والمجزأ والمركزي. وكل واحد من هذه الأجهزة له نمطه الخاص بالاستهلاك الكهربائي المرتبط بزمن التشغيل اليومي والموسمي. ولعل التساؤل الذي يعنينا هنا هو كيف نتصرف وما الذي يجب علينا أن نفعله عند انقطاع الكهرباء؟ والجواب هو أننا نعلم أن معظم انقطاعات الكهرباء تحدث في فصل الصيف نظرًا لتعاظم الطلب للطاقة الكهربائية من جهة والتشغيل المستمر لمعدات التكييف من جهةٍ أخرى، وقد تكون انقطاعات الكهرباء مفاجئة ودون سابق إنذار، فهنا علينا أن نبادر وعلى الفور بإطفاء جميع الأجهزة العاملة وقت الانقطاع وبخاصة تلك التي تحتوي على محركاتٍ ميكانيكية كالمروحة والمكنسة والمكيفات (العادية والصحراوية والمركزية) ومحرك ضخ المياه وغسالة الملابس ومجففة الشعر، لأن الكهرباء إذا عادت فسيسري التيار الكهربائي في كل تلك الأجهزة والمعدات التي لم يتم تطفئتها في آنٍ واحد الأمر الذي سيولد تيارًا هائلا مندفعًا بشكلٍ عالٍ وحجمٍ كثيف قد لا تتحمله أسلاك دوائر التمديدات والأجهزة مما يحدث ظاهرة خطرة معروفة في علم الكهرباء ب "التموُّر" وهي مستمدة من الآية الكريمة: "يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا" ﴿الطور: ٩﴾ وذلك لعظم حجم ذلك التيار المندفع عقب فترة الانقطاع والذي يجب الاستعداد له للوقاية والحماية منه وتلافي مخاطره وتأثيراته التدميرية.
أ.د. عبد الله محمد الشعلان
كلية الهندسة