أثر الرسم على الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.. أطفال التوحد

 

 

يُعد الفن لغة في حد ذاته تتيح للأفراد - سواء كانوا أطفالا أم مراهقين عاديين أم ذوي احتياجات خاصة- فرصة للتعبير عما بداخلهم والاتصال بالآخرين،  ورسوم الأطفال هي التخطيطات الحرة التي يستخدمها الأطفال ويعبرون فيها على أي سطح كان، منذ بداية عهدهم بمسك القلم أو ما شابه ذلك إلى أن يصلوا إلى مرحلة البلوغ، والأطفال يستخدمون هذه الرسوم وسائل للتكيف مع البيئة التي يعيشون فيها.

الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة لهم طبيعة مختلفة عن ذويهم من العاديين، حيث تختلف سيكولوجيتهم ومراحل نموهم وطريقتهم في اللعب والتعلم، ويُعد الرسم مدخلًا مهمًّا في تعليم وتدريب الطفل ذي الاحتياجات الخاصة، مما يتطلب تدريب هؤلاء الأطفال وتأهيلهم وأسرهم على تفعيل الأنشطة الفنية في برامجهم الفردية والجماعية؛ لأنها وسيلة علاجية في كونها وسيلة للتعبير التلقائي عن الذات، وللاتصال بالآخرين.

ويُعدّ التوحد أحد الأمراض التي يُصاب بها بعض الأطفال، وهو اضطراب في النمو العصبي، يؤثر على عملية معالجة البيانات في الدماغ ؛ مما يسبب  ضعف التفاعل الاجتماعي والتواصل اللفظي وغير اللفظي، وحدوث أنماط سلوكية مقيدة ومتكررة . والمصابون بالتوحد يميلون إلى العزلة، والبعض لا يقدر على الكلام، والبعض الآخر لديه قدرات على الكلام والحركة المتميزة؛ لكنهم يظلون مختلفين عن أقرانهم الطبيعيين .

إن الرسم أداة لفهم ذات الفرد وقياسها، وله القدرة الفائقة على التعبير عن الأمور التي لا يمكن التعبير عنها لفظيا، والخاصة بمفهوم ذات الفرد واتجاهاته.  إن العلاج بالرسم هو طريقة علاجية تعتمد على التعبير عن الأفكار الداخلية للمريض، من خلال تدريبه على إخراج الإبداع والابتكار الذي ينطوي عليه تفكيره وعقله، وذلك بوصفه وسيلة للتنفيس عن اضطراباته النفسية ، وتخفيف التوتر الذي يعاني منه، إضافة إلى أنه يمكّنه من إثبات ذاته والحصول على إعجاب الآخرين وجذب انتباههم، كما يساعد على قراءة أفكار المرضى من خلال الرسومات التي يقدمونها، ومعرفة المشاكل التي يعانون منها دون أن يتحدثوا عنها،  وذلك لتكون بمثابة علاج تكميلي لكثير من الأمراض، بل يستخدمه بعض المعالجين علاجًا طبيعيًا بديلًا عن أنواع العلاج الأخرى.

يُعدّ الرسم مجالا خصبا للتعبير والتنفيس عن المشاعر لهذه الفئات التي فقد بعض أفرادها بعض وسائل التفاهم الرئيسة، وهو بذلك يساعد المصابين بالتوحد على التعبير عن عواطفهم المحبوسة؛ كما أنه يساعدهم في نقل أحاسيسهم ومشاعرهم إلى الآخرين عبر الرموز التي تلجأ إليها هذه الفئة أثناء الرسم والتلوين. 

إن الإصابة بالتوحد تجعل الطفل التوحدي في أغلب الأحيان انعزاليًّا ومنطويًا؛ إن الانطواء والانعزال الموجود عند الأطفال التوحديين وغيرهم من المصابين بحالات عدم التكيف مع البيئة المحيطة قد تكون عاملا مؤثرا على رسومهم وكيفية استخدامهم للألوان والتوزيع للعناصر على سطح اللوحة. فهم يتفاعلون من خلال الرسم ليكون هذا التفاعل في المستقبل طريقا للتواصل مع الآخرين بشكل إيجابي.

إن رسوم أطفال التوحد وأعمالهم الفنية تُعد مصدرا هاما للعلاج، فرسوم التوحديين و أعمالهم الفنية تعتبر مصدرًا هامًّا للبحث السيكولوجي في إطار العلاج ، وهي الأداة التي يمكن على ضوئها أن نحدد لهم فهم الأمور الحياتية، فالرسم  يحتاج إلى قدرات فنية تساعد الطفل الذي لديه توحد على أن يتعود على التفكير عن طريق اللعب بالألوان و التعبير بالرسم ، ولا شك أن أثر ذلك يكون واضحا في المستقبل، و من المعلوم أنه بقدر تنمية القدرات في مرحلة الطفولة تكون النتائج أفضل في مرحلة ما بعد الطفولة؛ أي المراهقة و ما بعد المراهقة.

قد نجد إبداعًا فنيًّا لدى التوحديين قد يعجز عنه الإنسان العادي، فهذه الرسوم تُعتبر بمثابة لغة تعبيرية يمكن استغلالها لتفسير ما يفكر به الطفل التوحدي أو ما يدور في داخله، وهذا يوضح أن للرسم جانباً علاجياً مهماً؛ إذ تبيّن أنه -عن طريق اللعب بالرسم- يمكننا أن نفهم بعض الأمور الأخرى التي من الممكن أن تكون غامضة وغير مدرَكة ، إلى جانب أنه قد يخدم في تعديل السلوك في المستقبل، و ذلك في ضوء التحليل النفسي للرسومات. التوحديون يستغلون التعبير بالرسم أسلوبًا بديلًا للّغة والتواصل اللغوي، فهذه الرسوم التي تنبثق عن أذهان الاطفال التوحديين، والتي تعبرعن أحاسيسهم ومشاعرهم وتخيلاتهم، قد لا يفهمونها، وكذلك التطورات التي تصاحب نموهم البيولوجي والفسيولوجي.

إن العلاج بالفن أثبت فعاليته بالنسبة إلى الطفل، عن طريق تنمية مهاراته في استخدام الألوان والخطوط والأشكال، وتمكينه من التعبير عن عالمه الداخلي وبيئته المحيطة، ومساعدته على تنظيم الحقائق بصورة أكثر وضوحًا عن طريق اللغة الشكلية، كما تُعلِّم الطفل كيف يستثمر نصائح المعالجة في بناء ذات قوية.

ويقوم العلاج باستخدام الرسم على أساس التنفيس عن اللاشعور، وذلك عن طريق الإسقاط في عملية التعبير الفني، ويستند العلاج عن طريق الرسم إلى منهج التحليل النفسي في فهم القلق ومشاعر الذنب والكبت والإسقاط والتوحد، ويستند أيضا على أساس تقدير أن الأفكار والمشاعر الأساسية للإنسان في اللاشعور يعبَّر عنها في صور أكثر مما يعبَّر عنها في كلمات .إن كل فرد يملك طاقه كامنة لإسقاط صراعاته الداخلية في صور بصرية، فيكون الاتصال بين المعالج والمريض اتصالا رمزيا ؛ وبذلك ينقل خبراته لا شعوريا إلى صور، ونظرًا إلى أن الخبرات الداخلية للمريض تُترجم بسرعة إلى صور بدلا من كلمات، فإنها تيسّر التنفيس عن المادة العميقة المكبوتة.

وخلاصة القول :إن الأطفال العاديين يعبرون في رسوماتهم أحيانا عن أشكال اللعب، وينبعث ذلك من الطفل؛ ليرضي حاجاته، وهو نشاط يحتاجه كل طفل لتنمية قدراته الذهنية وتطوير أفكاره وإثراء خياله، أما الطفل التوحدي فهو يعتبر التعبير بالرسم بديلًا للّغة والتواصل اللغوي، وتكمن أهمية الرسوم في إمكانية اعتبار الرسوم التي يقوم بها الأطفال التوحديون علاجًا لافتًا لاضطرابهم، وتساعد على إطلاق الشعور التعبيري والانفعالي لدى الطفل، من خلال تطور التفاعلي الإنساني بينه وبين العمل الفني ، كما تعمل على تنمية وعي الطفل بنفسه ، ويتعلم الطفل كثيرًا من طرق التواصل مع البيئة المحيطة.  لذا من الواجب على الأسرة والمدرسة أن تعرف أنّ لهذه الرسوم لغة تفوق في أهميتها ودلالاتها معنى المفردات اللفظية واللغوية التي يعجز الطفل عادة عن التعبير عنها.

د. مها محمد السديري

قسم التربية الفنية 

كلية التربية    

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA